جـــــــــيل القيــــــــــــادة

الأربعاء، 2 يناير 2013

البحر حين يفكر ...

صاحب المقال محمد حمدوني

البحر... حين يفكر 



أستيقظ هذا الصباح افكر في بعض الامور اليومية التي يفكر فيها الانسان الذي لا أختلف أنا عنه ,ربما يكون الاختلاف قليلا او كثيرا لكنني اظل في النهاية انسان يعيش قليلا من لحظات الحيرة اليومية ,والتي تجعله مبعثر الاوراق في كل مرة يعيد التفكير في الامر.    في الحقيقة يستعجب للأمر برمته ,تظل النهاية بعيدة عن مرمى البداية , ولكن القانون الكوني يبقى هوهو فمهما حاول البشر بضعفهم وعجرفتهم لخلق فارق ولو صغيرا ,ليحسوا في النهاية بعظمتهم المزيفة فالقانون موشك على نهاية لامحالة ,فالخالق جل جلاله خلق كل شيء بمقدار النقصان ,ويحن تجتمع الاشياء في مركب واحد معطى للتأمل يلاحظ في الكمال الالهي في الصنع الدقيق المرتب للآمور والعلاقة الوطيدة التي لا تظهر للعيان الا بعد تأملات عميقة وبحوث كثيرة ,وللنقصان في الامور حكمة فما النهاية لو لم تكون المادة تذهب الى حتفها في التطور المقدر لها في الزمن المعلوم , بل وكيف تنتهي الاشياء ؟ اذا لك يكن هناك قانون سمته النقصان من احد عناصر الخلود والكمال , وربما لاحظتم ان الموضوع الذي تطرقت له اليوم لم يكن له علاقة بالقيادة الاجتماعية او التغيير المجتمعي .. او المجتمع اصلا ,لكنني سأتطرق للمجتمع في وقت لاحق . وتظل معجزة الخلق من المعجزات التي تحير العقل البشري , فلو تأمل المتأمل جيدا يجد ان الخلق عوالم تتداخل فيما بينها ,فالإنسان مخلوق يتكون من مخلوقات اخرى فهو حامل لمخلوقات اخرى تتغذى عليه وتعطيه كمقابل هبة البقاء , امر يصعب على الخيال حتى لكنه حقيقة ,تتداخل العوالم بينها فمن الذرة الى الكون والوجود ,كلها عوالم ما ان تكتشف عالم حتى تجد بداخله عالما آخر , وكأننا امام الدمية الروسية المشهورة ماموشكا
حيث تجد دمية داخل دمية أخرى ,ولكن الامر العظيم في العوالم لهو ان لكل عالم خصائصه وصلاته بالعالم الذي بداخله ايضا وتجد ان الصلة مترابطة بينها , بل ولا يمكن لعالم ان يوجد دون وهكذا دواليك وكأننا امام مملكة عظيمة مترابطة البنيان والتكوين .انها مملكة الله , في الحقيقة خلقت القوانين لتنظم الحياة والطبيعة , خلق الانسان ليخرقها , ذلك الانسان التي ما فتئ يرتمي بين الشر والخير , وتحولت حريته الى سلاح ينتحر به , فالانسان هو المخلوق الوحيد الذي يكره نفسه , ولكن هذا ليس بالطبيعة بل بفعل
الحياة التي خلقها الانسان لنفسه فالنفس كل يوم تستنجد به راجية ان يحررها من قيود الحياة الرمادية والمادية القاتلة ,لكن اين الانسان؟ , انه في كل مكان ألا في نفسه  فهو في المقهى والشارع ’ يقرأ الكتاب ’ يقرأ هذا المقال ’ يتصفح الفايسبوك , يتحدث مع  اصدقائه ’ لكن أين نفسه , أنها في كل مكان ألا الانسان , لا أعرف اين هي نفسك , فابحث عنها , وهنا تحضر الى ذهني كلمات الشاهر الفلسطيني محمود درويش في قوله "وجدت نفسي قرب نفسي فابتعدت عن نفسي " في الحقيقة تطلب الامر مني وقتا طويلا لفهم ما وراء الحروف واستيعاب المعني بين مكر الحرف ,  وعلمت ان الانسان يهرب من نفسه طيلة الوقت يذوب نفسه في الحياة اليومية القاتلة , وبمتع الوقت العابرة لمحاولة نسيان المكان التي توجد به نفسه , في الحقيقة يبدو ان الانسان يفكر خارجه طولة الوقت فافكاره تصب على الحياة اليومية ,فلان , والمال , الدراسة وغيره لكنه لا يسأل نفسه أبدا عن حالها , وتلك النفس كطفل صغير لايكبر ابدا يحتاج في الرعاية في كل الاحيان , تبدا في البكاء عل احدا يهتم بها , وهذا ما سنطلق عليه اسم "المرض النفسي".
وهو ليس الا اشارة تفرض النفس فيها ذاتها وتبدا بازعاج صاحبها التي يتجاهلها طول الوقت , فمرة بالعصاب , واخرى بالقلق , حتى تنتهي بالاكتئاب فحينها تقرر النفس ان تغادر الانسان , ذلك المخلوق الذي لايهتم لأمرها , ولكن الامر مستحيل فتقرر ان تجره معها الى بوابة الخلاص .يقول ارسطوا :أيها الانسان اعرف نفسك بنفسك , فمعرفة النفس هي معرفة موازية للعالم , فما النفس البشرية الا نسخة شبه مصغرة للعوالم الموجودة بل و واعمق من ذلك , فقد تمكن العلم من تصور الكواكب والنجوم ولكنه لم يقدر على تصور فكرة لانسان عادي فلو طلبنا من أشخاص ان يتخيلوا مزرعة , فستجد المئات من التفاصيل التي تختلف في الوصف والتدقيق , وهذا ان دل على شيء فانه يدل على فردانية الانسان وتميزه بنفسها , فلا احد كان شبيها للاخر منذ البدايات الاولى للسلالة البشرية .
 ولعل الامر راجع بالضرورة بعاملين اثنين وهو الانسان ذاته والمجتمع ايضا , ذلك التنظيم المعقد الذي يفرض علينا ان نقوم بأشياء بدون معنى يذكر تحت ما يسمى باسم "العرف"  فاعتاد الافراد على هذا النوع من الممارسات لتصبح عادة ومن ثم تكرر الدنيا نفسها مع كل جيل من دون ان يدرك هذا الجيل صلاحية هذا الامر ولا نفعه ,ففي لحظة من الزمن نصبح كلنا مجرد نسخ مكررة , أو قوالب جاهزة للشحن والتحميل بشخصية جاهزة ,نسخة مكررة عن الاخرين , لا انكر ان محاولات التغيير كانت و زالت لكن المجتمع يتمتع بسلاح مضاد مستعد للضرب في اي اللحظة :انها النظرة التي تفرض علي اي انسان يحاول التغيير (مجنون..زنديق..) فلا تظل اي فرصة للتغيير امام هذا الشخص الا ان يدعن لقانون الجماعة ويكرر نفسه هو بدوره الآخر ,في الحقيقة ومن الملاحظ ان المجتمعات الان بدأت في رحلة النهاية الى حتفها فبعدما بلغت مرحلة التطور والقيم هاهي ذي تنحدر من جديد الى الهاوية ولا تجد المجتمعات المسحوقة اصلا الا ان تتبع الاخرى في سيرها راجية ان تتخلص ولو بطريقة وهمية من المعاناة اليومية التي تجذرت في ثقافتها , يمكن القول ان البعض قد مل من ثقافته اصلا ولم يطرح تجديدا بنفسه بل نفى نفسه الى ثقافة تمنح بعض النعيم الدنيوي وما ندعو اليه هو تجديد الثقافة وليس تقليدها ,بما يناسب تداعيات العصر والحياة الاقتصادية ,فما سيجدد اليوم سيصبح بعد مئة عام عادة وان كان التجديد ايجابيا فلنا ان نتخيل كيف سيصبح المجتمع عندما تتبنى عادة ايجابية ولو واحدة , الامر كله ليس سلعة للتقليد ولكنه ثقافة تقدم نظم عيش محددة من طرف الجماعة .غير انه من الملاحظ فارق الزمن في التقدم ..ورغبة الانسان العربي في الانزواء على نفسه والخوف من التغيير فهذا ما فرضته الثقافة ,فلقد اعتدنا منذ القدم بدوا على الرتابة اليومية نعرف التغيير كل ثلاثة اشهر مع الفصول او الرحلات ,ولهذا لم نحس بما يسمى الوقت ابدا يمر فلقد كان لنمط عيشنا نوع من البطء اليومي والتسويف وغيره من العادات البدوية والتي مازالت تحمل حتى الان على محمل الجد وكأنها قانون لا تخرق  ,بالمختصر المفيد ,دوام الحال من المحال ,انانية البشر تقود بهم الى حتفه المشتهى ,نحن الان في عصر يعتبر التفكير فيه بأنانية فقط .من الحماقات التي تدمر المجتمع بأكمله
على الانسان ان يعيد التفكير في نفسه وفي الكون ..